رغم مرور 6 عقود.. التجارب النووية الفرنسية في الجزائر حجر عثرة بين البلدين
لا تزال قضية التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية تشكل ملفاً شائكاً وحجر عثرة بين الجزائر وباريس، رغم مرور أكثر من 6 عقود على هذه التفجيرات.
وتعرف التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر، بتجارب الأسلحة الكيمياوية التي قام بها الجيش الفرنسي في الصحراء الجزائرية حيث بدأت في 13 فبراير 1960.
وشرعت السلطات الفرنسية بتجريب التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية بعد إصدار مرسوم في جريدتها عام 1957 سمح بتخصيص مساحة 108 آلاف كيلومتر مربع على بُعد 40 كلم من مدينة رقان جنوب الجزائري لإنشاء مركز عسكري صحراوي.
وفجر الجيش الفرنسي أول قنبلة نووية تحت اسم “اليربوع الأزرق” لينفذ بعد ذلك 57 تفجيراً إلى غاية 1966، ونجح تفجير 17 قنبلة نووية.
وفي يونيو 1967، أعيد تسليم تلك المواقع إلى السلطات الجزائرية، بعد تفكيك المنشآت، بحسب وزارة الدفاع الفرنسية عام 2010.
“جرائم فظيعة”
وجدد وزير المجاهدين – المحاربون القدامى – العيد ربيقة، إدانة بلاده لـ”التفجيرات النووية الفرنسية الفظيعة بصحراء الجنوب الجزائري”.
واعتبر ربيقة في تصريحات للإذاعة الحكومية بمناسبة الذكرى السنوية الـ64 لهذه التفجيرات، أنها جريمة ضد الإنسانية لا تزال آثارها ملموسة على البيئة والإنسان والحيوان.
وقال العيد ربيقة، إنّ الاستعمار الفرنسي قام بـ57 تفجيراً نووياً في مناطق عدة من الجنوب الكبير ومنها رقان والحمودية -جنوب الجزائر.
وأشار في ذات السياق، إلى أنّ قوة وشدة التفجير الواحد في رقان، تعادل خمس مرات القنبلة الذرية التي استخدمت ضد كل من هيروشيما ونجازاكي باليابان مع نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتشير أرقام نشرتها صحف حكومية، أن عدد ضحايا التجارب النووية بلغ 42 ألف ضحية، فضلاً عن تداعياتها المتواصلة كانتشار أمراض السرطان وحالات التشويه التي تظهر عند المواليد الجدد.
مطالب جزائرية
وتطالب الجزائر منذ سنوات باريس بتسوية ملفات عديدة كفتح محفوظات الاستعمار الفرنسي، وتسوية قضية المفقودين في حرب الاستقلال، فضلاً عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، لكنها ظلت عالقة رغم تشكيل لجنة جزائرية فرنسية مشتركة انبثقت عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر في صيف 2022.
وقال عضو لجنة الخارجية بمجلس النواب كمال بن خلوف إن الجانب الفرنسي “يماطل منذ عقود بخصوص هذه الجريمة المثبتة تاريخياً ومادياً، ويتحاشى الاعتراف بها، بالرغم من قبوله الاعتراف والتعويض في مستعمرات أخرى”.
وأضاف بن خلوف في تصريحاته لـ”الشرق” أنّ ملف التفجيرات يتوجب أن تنظر إليه السلطات الجزائرية بسرعة لتحقيق هدف “الاعتراف الفرنسي” بهذه الجريمة، والتعويض المادي عن الأضرار التي خلفها كمرحلة ثانية.
وأشار بن خلوف إلى أن “عدم جدية الجانب الفرنسي في التعاطي مع الملف من شأنه التأثير على الأرشيف والمخطوطات والكثير من التقارير التي يحتاج أن يطلع عليها الجزائريون.
بدوره رأى الكاتب الصحفي حكيم بوغرار أنّ الملف يتطلب دراسة تاريخية حيث تبقى فرنسا “مسؤولة أخلاقياً وتاريخياً عن التبعات الصحية الناتجة عن التجارب النووية في الصحراء”.
وأضاف بوغرارة في تصريحاته لـ”الشرق” أن الجزائر تطالب منذ عقود بتطهير الصحراء من التجارب النووية مثلما فعلت فرنسا في بولينيزيا – مجموعة ما وراء البحار التابعة لفرنسا – بالنظر لإمكانياتها الكبيرة في المجال.
وأشار بوغرارة إلى أنّ الملف يتطلب أيضاً مواقف قانونية لتعويض الجزائريين المتضررين من التجارب النووية خاصة وأنّ السلطات الفرنسية كانت قد أقرت في 2010 قانون “موران” الذي منح تعويضات للجنود الفرنسيين المتضررين من التجارب النووية.
وفي نوفمبر الماضي، رفضت المحكمة الإدارية في ستراسبورغ شرق فرنسا، طلبات تعويض تقدمت بها عائلات أشخاص توفوا نتيجة التجارب النووية الفرنسية في كل من الصحراء الجزائرية وبولينيزيا بين عامي 1960 و1998، وعللت المحكمة رفضها لطلبات التعويض بحجة تقادم القضية. حسب ما نقلته وكالة فرانس برس.
وطلبت ثلاثة أرامل وأبناؤهن الاعتراف بالأضرار التي لحقت بهن بعد فقدان أزواجهن، بسبب السرطان الذي تسبب به تعرضهم للإشعاعات النووية التي خلفتها التجارب النووية الفرنسية.
ويسمح القانون الفرنسي منذ يناير 2010 بالاعتراف بالضحايا المباشرين لهذه التجارب النووية وتعويضهم، لكنه لا ينص على تدابير بالنسبة لأقارب الضحايا فيما يخص تعويضهم عما يلحقهم من أضرار.
زيارة مؤجلة
ورجح مراقبون أن ملف التجارب النووية يعد واحداً من الأسباب التي أسهمت في إرجاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزيارته إلى باريس، والتي كانت مقررة في شهر مايو الماضي، قبل أن تُؤَجَّل إلى يونيو، ثم تأجلت لتاريخ غير معلوم.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قال إن زيارة الرئيس تبون إلى باريس ما زالت قائمة ويتم التحضير لها، لكنها تبقى مرهونة بتسوية 5 ملفات أساسية.
وذكر عطاف في تصريحات صحافية، أن الملفات الخمسة تتعلق بقضية الذاكرة والتنقل والتعاون الاقتصادي والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية وإعادة متعلقات رمزية للأمير عبد القادر -مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
اعتراف بالأضرار
وفيما يتعلق بالتجارب النووية الفرنسية، أشار وزير الخارجية إلى أن الجزائر تطالب “بالاعتراف بالأضرار التي ألحقتها هذه التجارب” فضلاً عن تقديم “تعويضات”.
وفي يوليو 2020 نجحت الجزائر في استرجاع جماجم رموز المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي، بعد احتجازها لمدة قرن ونصف قرن بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس.
وكانت إعادة جماجم رموز المقاومة موضوع طلب رسمي تقدمت به الجزائر إلى فرنسا حيث طُرِحَت المسألة خلال مباحثات بين السلطات العليا للبلدين.
وشملت المجموعة الأولى من رفات شهداء المقاومة عدداً من الشخصيات البارزة في تاريخ المقاومة يتقدمهم الشريف بوبغلة عيسى الحمادي الشيخ أحمد بوزيان زعيم انتفاضة الزعاطشة سي موسى والشريف بوعمار بن قديدة ومختار بن قويدر التيطراوي.