Evil does not exist.. فيلم “الأسد الفضّي” يتسلح بالغموض في معركة الدفاع عن الطبيعة

Evil does not exist.. فيلم “الأسد الفضّي” يتسلح بالغموض في معركة الدفاع عن الطبيعة

في بلدة صغيرة تقع بمنطقة غابات جبليّة تغطيها الثلوج، يعيش “تاكومي” برفقة ابنته الصغيرة التي لا تكفّ لا عن فضولها للتعرّف على الأشياء، ولا عن طرح الأسئلة إزاء فضاء الغابة التي تعيش فيها مع والدها.

هكذا تبدأ أحداث فيلم Evil does not exist (لا وجود للشر) للمخرج الياباني ريوسوكي هاماجوتشي، الذي عزز مكانته في السينما العالمية، عبر تحقيق جائزة “الأسد الفضي” لأفضل مخرج في مهرجان فينيسيا السينمائي 2023، عن هذا الفيلم، بعد عامين من حصد سعفتين ذهبيتين لأفضل فيلم وأفضل سيناريو من مهرجان كان 2021، وأوسكار أفضل فيلم عالمي 2022، لفيلمه “Drive my car” (قودي سيارتي).

فيلم “Evil does not exist” هو العمل الطويل الرابع عشر لهذا المخرج والكاتب المتميز الذي ولد في 16 ديسمبر 1978، وتخرّج من جامعة طوكيو الوطنية للفنون الجميلة والموسيقى، وانجذب إليه اهتمام النقد في بلاده منذ فيلم التخرج  في عام 2008، وكان بعنوان “شغف”.

وكان النقاد قد اعتبروا فيلم هاماجوتشي السابق “قودي سيارتي”، أحد أفضل الأفلام التي أنتجت منذ بداية القرن الحالي، إذ فاز بسعفة مهرجان كان الذهبية كأفضل فيلم وأفضل سيناريو وبأوسكار أفضل فيلم عالمي.

الصخب وهدوء الجبال

وبينما كانت أحداث فيلم “Drive my car” تدور في المدينة ما بين طوكيو وهيروشيما ومدن أخرى، وسط صخب وزحام المدينة، فإن أحداث فيلم “Evil does not exist” تنعم بهدوء منطقة جبليّة ما بين الغابات، التي يُمكن أن يُسمع فيها هفيف ورقة جافّة تسقط من الغصن على الأرض.

وفيما صخب المدينة في فيلم “Drive my car” يُخفق في هز هدوء بطل الحكاية، وهو الممثل والمخرج المسرحي يوسوكي كافوكو، فإنّ الهدوء الطاغي في الغابة يُخفي غلياناً وقلقاً كبيرين لدى العامل العاطل عن العمل ومتعدّد المواهب تاكومي.

تبدو البلدة في Evil does not exist وكأنها اعتادت حياة الهدوء منذ الأزل وستبقى كذلك، لولا قرار شركة كبيرة افتتاح منتجع للاستجمام في منتصف الطريق الذي تسلكه الغزلان منذ قرون لتشرب من ماء النبع الصافي، وهي ذات الينابيع التي يشرب منها السكان.

تضطرب حياة ذلك المجتمع الصغير، ويزداد قلق السكان، فيُطالبون الشركة بتوضيحات، فتُرسل اثنين من موظفيها إلى الموقع يحملان وعوداً زائفة بمستقبل زاهر للسكان وللمنطقة، ويسعيان للتوصل إلى اتفاق مع السكان الذين يبدو أنّ شكوكهم زادت بعد ذلك اللقاء، وبالذات الشخصيّة الرئيسية، العامل الماهر تاكومي، الذي يزيد انغلاقاً إزاء محاولات مندوبَيْ الشركة لاستمالته عبر رشوته بعملٍ دائم.

نصاعةُ الثلج كبراءة طفلة 

ورغم براءة أسئلة تلك الطفلة ونصاعة الثلج وبياضه واتّساع الفضاء، فإن هناك غموضاً في الأجواء، ولن نتأخر كثيراً لنكتشف بأنّ ذلك الغموض والصمت اللذان يلفّان تاكومي ليس إلاً نتاجاً لإحساسه بخطرٍ داهم بالبلدة الصغيرة، التي يعيش فيها عدد قليل من السكان المحليين المتناغمين والمتآلفين مع الطبيعة، وهو ما سيحدث بالفعل.

يستعصي الفيلم على التفسيرات السهلة، لكنه في نفس الوقت، ينأى بنفسه عن التأويل العسير، ثنائية مُحيّرة نابعة من صدق الأحداث وواقعيّتها، عبر الحضور المفاجئ والمُذهل للعنف والشرّ، في خاتمة تُعتَبر إحدى أغرب النهايات في السينما الحديثة، وأكثرها صدمة وذكاءً وتعقيداً، لما تثيره من لُبْسٍ وغموض وتأويلات متباينة ومتناقضة.

وبالفعل لا يُميط المخرج اللثام عن الغموض، ويُبقي النهاية مفتوحةً على جميع الاحتمالات، كدلالة على أن ذلك الخطر الذي استشعره تاكومي سيظلّ مُسلطاً كالسيف على رؤوس سكان البلدة.

الفيلم عبارة عن سيمفونية بصرية وصوتية تعيدنا إلى المعنى الأصيل لمصطلح البيئة، وهو أيضاً حكاية مفعمة بالدلالات على شراسة الرأسمالية وجشعها في تدمير فضاءٍ لن يحميه إلاّ جمال غزال الغابة الكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *