رويترز: زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إلى بغداد أوقفت الهجمات على القوات الأميركية

رويترز: زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إلى بغداد أوقفت الهجمات على القوات الأميركية

قالت عدة مصادر إيرانية وعراقية لـ”رويترز” إن زيارة أجراها إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الإيراني إلى بغداد أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها فصائل متحالفة مع إيران في العراق على القوات الأميركية، ووصفت المصادر هذه الخطوة بأنها “علامة على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقاً”، في المنطقة التي أشعلتها حرب إسرائيل على غزة.

وذكرت المصادر أن قاآني التقى ممثلي عدة فصائل مسلحة في مطار بغداد، يوم 29 يناير، بعد أقل من 48 ساعة من اتهام الولايات المتحدة لهذه الفصائل بالوقوف وراء سقوط ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري بالأردن.

وقالت عشرة من المصادر إن قاآني، الذي قضى سلفه قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة أميركية بالقرب من المطار نفسه عام 2020، أبلغ الفصائل بأن سفك الدماء الأميركية “يخاطر برد أميركي عنيف”.

وأضافت المصادر أن قاآني أبلغ الفصائل المسلحة “أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها، أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية، أو حتى الانتقام المباشر من إيران”.

ولم توافق إحدى الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظم الفصائل الأخرى وافقت. وفي اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب حزب الله المتحالفة مع إيران أنها ستعلق هجماتها.

ومنذ الرابع من فبراير، لم تقع هجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، مقارنة مع أكثر من 20 هجوماً في الأسبوعين السابقين لزيارة قاآني في إطار موجة من أعمال العنف من قبل الفصائل رداً على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وقال قيادي كبير في إحدى الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران: “بدون تدخل قاآني المباشر، كان من المستحيل إقناع كتائب حزب الله بوقف عملياتها العسكرية لتهدئة التوتر”.

ولم يرد قاآني ولا فيلق القدس، وهي قوة تابعة للحرس الثوري الإيراني تعمل مع الفصائل المسلحة المتحالفة مع طهران من لبنان إلى اليمن، حتى الآن على طلبات للتعليق. ولم يتسن الوصول إلى كتائب حزب الله وفصيل آخر للتعليق. ولم يرد البيت الأبيض ولا وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أيضاً.

والجمعة، قال البيت الأبيض إن كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي التقت مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في ميونيخ، وحثت حكومة بغداد على منع الهجمات التي تستهدف العسكريين الأميركيين.

وذكر البيت الأبيض، في بيان، أن هاريس أكدت للسوداني التزام الولايات المتحدة بدعم بلاده في تحقيق مستقبل آمن ومستقر لشعبه، لكنها شددت على أن سلامة الأميركيين في العراق أولوية قصوى لواشنطن التي “ستتصرف دفاعاً عن النفس عند الضرورة”.

وأشارت وسائل إعلام عراقية إلى زيارة قاآني، لكن تفاصيل رسالته وتأثيرها في الحد من الهجمات لم ترد في تقارير قبل ذلك. 

وتحدثت “رويترز” بهذا الشأن مع ثلاثة مسؤولين إيرانيين، ومسؤول أمني عراقي كبير، وثلاثة سياسيين شيعة عراقيين، وأربعة مصادر في الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران، وأربعة دبلوماسيين يركزون على الشأن العراقي.

“نفوذ إيران على الفصائل المسلحة”

وقالت “رويترز” إن النجاح الواضح لزيارة قاآني يسلط الضوء على النفوذ الذي تتمتع به إيران على الفصائل المسلحة العراقية التي تعمل تارة على زيادة الضغط، وتارة أخرى على تهدئة التوتر لخدمة هدفها المتمثل في “إخراج القوات الأميركية من العراق”.

وقالت خمسة من المصادر إن الحكومة في بغداد، وهي حليف مشترك نادر لكل من طهران وواشنطن، تحاول منع تحول البلاد مرة أخرى إلى ساحة قتال للقوى الأجنبية، وطلبت من إيران المساعدة على كبح جماح الفصائل بعد الهجوم في الأردن.

وقال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للشؤون الخارجية، لـ”رويترز” رداً على سؤال لتأكيد زيارة قاآني، وتأكيد طلب المساعدة على كبح جماح الفصائل المسلحة، إن السوداني “عمل مع كل الأطراف المعنية داخل وخارج العراق محذراً” من أن أي تصعيد “سيعمل على زعزعة أمن العراق والمنطقة”.

وقال سياسي شيعي من الائتلاف الحاكم: “الهجوم جاء بطريقة خدمت مصلحة الحكومة العراقية”.

وفي أعقاب الهدوء الذي تلى ذلك، استؤنفت المحادثات في السادس من فبراير مع الولايات المتحدة حول إنهاء الوجود الأميركي في العراق.

وتفضل عدة أحزاب وفصائل مسلحة أخرى متحالفة مع إيران في العراق إجراء المحادثات بدلاً من شن هجمات لإنهاء وجود القوات الأميركية.

ولم تكن واشنطن مستعدة للتفاوض على تغيير في وضعها العسكري في ظل الهجمات، “خشية أن يؤدي ذلك إلى تجرؤ إيران”، وفق “رويترز”.

الوجود الأميركي في العراق

وللولايات المتحدة حالياً نحو 2500 جندي في العراق، و900 جندي في سوريا في مهمة لتقديم المشورة والمساعدة. وهذه القوات جزء من تحالف دولي نُشِر في عام 2014 لمحاربة “داعش”، خاصة في غرب العراق وشرق سوريا.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الوجود الأميركي في العراق سيتحول إلى “علاقة أمنية ثنائية مستمرة”، ورفض التعليق على زيارة قاآني لبغداد.

وتؤكد الولايات المتحدة أن طهران تتمتع بمستوى عالٍ من السيطرة على ما تسميه “وكلاء” لإيران في المنطقة. وتقول طهران إنها قدمت التمويل والمشورة والتدريب للحلفاء، لكنهم يقررون العمليات بأنفسهم.

واعترف مسؤول أميركي آخر بدور إيران في الحد من الهجمات، لكنه قال إنه ليس واضحاً ما إذا كان الهدوء سيستمر.

وقال مسؤول أميركي كبير آخر: “نحتاج إلى رؤية المزيد من الجهد على الأرض” من قبل العراق للسيطرة على الفصائل، مشيراً إلى عدم تنفيذ سوى عدد محدود من الاعتقالات فقط بعد هجوم بقذائف الهاون في ديسمبر على السفارة الأميركية في بغداد.

أمن مطار بغداد

وقال المصدر الأمني العراقي الكبير إنه في الوقت الذي كانت إيران تستعد فيه لرد أميركي على هجوم الأردن، جاءت زيارة قاآني سريعة، إذ لم يغادر المطار “لدواعٍ أمنية مشددة، وخشية على سلامته”.

وأعقب الغارة التي أسفرت عن مصرع قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عام 2020 خارج المطار هجوم اتهمت واشنطن كتائب حزب الله أيضاً بشنه، وهو الهجوم الذي أدى إلى مصرع متعاقد أميركي، وأثار في ذلك الوقت مخاوف من اندلاع حرب إقليمية.

وإلى جانب سليماني، أسفرت الغارة التي شُنَّت بطائرة مسيرة عن مصرع زعيم كتائب حزب الله سابقاً أبو مهدي المهندس.

وذكرت تسعة مصادر أن كلاً من طهران وبغداد يريدان تجنب تصعيد مماثل هذه المرة. وقال المصدر الأمني العراقي الكبير: “تعلم الإيرانيون الدرس من تصفية سليماني، ولا يريدون تكرارها”.

ووصف مسؤول أمني إيراني كبير زيارة قاآني بأنها “كانت ناجحة، ولكن ليست بشكل كامل إذ لم توافق جميع الجماعات العراقية على تهدئة التصعيد”. وقالت جماعة النجباء، وهي جماعة صغيرة، لكنها نشطة جداً، إنها ستواصل الهجمات، مشيرة إلى أن القوات الأميركية لن تغادر أبداً إلا بالقوة.

وليس واضحاً إلى متى ستستمر الهدنة. وتوعدت جماعة تنطوي تحت لوائها عدة فصائل مسلحة باستئناف العمليات إثر اغتيال الولايات المتحدة للقيادي الكبير في كتائب حزب الله أبو باقر السعدي في بغداد يوم السابع من فبراير.

وكان السعدي أيضاً عضواً في قوات الحشد الشعبي، وهي جهة أمنية عراقية تضم في أغلبها فصائل شيعية مسلحة متحالفة مع إيران، وحاربت “داعش” مما يسلط الضوء على مدى تداخل الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران مع الدولة العراقية.

وغزت الولايات المتحدة العراق في 2003، مع تحالف دولي، وأطاحت بصدام حسين قبل أن تنسحب من العراق في 2011.

غير أن الفصائل المسلحة الشيعية التي أمضت سنوات في مهاجمة القوات الأميركية في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في 2003، قاتلت في الجبهة نفسها ضد “داعش” ولكن من دون الدخول في شراكة مباشرة مع الجنود الأميركيين حتى أُلحقت الهزيمة بالتنظيم المتشدد في العراق.

وفي السنوات اللاحقة اشتدت جولات من القتال المتبادل مع بقايا القوات الأميركية في العراق حتى مصرع سليماني والمهندس.

ودفع سقوط الرجلين البرلمان العراقي إلى التصويت لصالح خروج القوات الأجنبية من العراق. وقال مسؤولون حكوميون إن حكومة السوداني وصلت إلى السلطة في أكتوبر 2022 بناءً على تعهد بتنفيذ هذا القرار، على الرغم من أنه لم يكن يعتبر أولوية.

حرب غزة تغير الأوضاع

لكن الوضع تغير مجدداً مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة. ودفعت عشرات الهجمات والعديد من الردود الأميركية عليها، بما في ذلك سقوط قيادي كبير في حركة النجباء في بغداد 5 يناير، السوداني إلى إعلان أن التحالف أصبح عاملاً لعدم الاستقرار في المنطقة، وبدأ محادثات لإنهاء وجوده في العراق.

غير أنه أبقى الباب مفتوحاً لاستمرار الوجود الأميركي لكن بصيغة مغايرة عبر اتفاق ثنائي. وقال مسؤولون عراقيون إنهم يأملون في أن يستمر الهدوء الحالي حتى تتمخض المحادثات التي من المتوقع أن تستغرق شهوراً عن نتائج.

وتعهد المسؤول الكبير في كتائب حزب الله والقائد العسكري لقوات الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي في مراسم تشييع السعدي بـ”رد” على عملية القتل الأخيرة، لكنه لم يعلن العودة إلى العنف. وذكر أن الرد سيكون مبنياً على توافق بما في ذلك مع الحكومة.

وقال: “الانتقام للشهيد أبو باقر الساعدي سيكون بخروج كل القوات الأجنبية من العراق. ولن نقبل بأي شيء أقل من ذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *