مصر تنشر وثائق نادرة عن حرب أكتوبر 1973 بخط يد كبار القادة
نشرت وزارة الدفاع المصرية، وثائق “نادرة” تكشف أسراراً جديدة عن حرب أكتوبر 1973، التي خاضتها مصر ضد إسرائيل لتحرير شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك وثائق عن التخطيط الاستراتيجي العسكري، وإدارة الحرب بمراحلها، حتى وقف إطلاق النار.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تنشر فيها القاهرة وثائق وكتابات رسمية عن حرب أكتوبر 1973، مكتوبة بخط يد مسؤولين كبار عن الحرب وإدارتها بالتفاصيل، مثل “تصفية الثغرة”، وتحطيم “الساتر الترابي” (خط بارليف).
وانتهت حرب أكتوبر 1973 بتوقيع كل من مصر وإسرائيل اتفاقية سلام بينهما بوساطة أميركية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، في أعقاب اتفاقية “كامب ديفيد”، لتنهي حالة الحرب بين البلدين، وتحد من الانتشار العسكري على جانبي الشريط الحدودي بينهما.
ما هي الوثائق؟
تتضمن الوثائق عشرات الخرائط والملاحظات، وتفريغ رسائل الهاتف اللاسلكي، والمحادثات بين القادة، ومعلومات دقيقة بشأن خطة “الخداع الاستراتيجي” لحرب أكتوبر، إلى جانب التنسيق مع الجبهة السورية، وإدارة الحرب، حتى وقف النيران والتخطيط لتصفية “الثغرة” (خطتا شامل وشامل المعدلة)، وفض الاشتباك وانسحاب القوات الإسرائيلية، ودور الإعلام العسكري في حرب 1973، والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ودورها.
وأبرز ما تضمنته الوثائق، تفاصيل العملية “جرانيت 2” المُعدلة، والتي تم دمجها مع خطة “المآذن العالية” لتشكل “العملية بدر”، وهو الاسم العسكري داخل القوات المسلحة لحرب أكتوبر 1973.
وشملت الوثائق أيضاً، تفاصيل ومحادثات عمليتي “شامل” و”شامل المعدلة”، وهو الاسم العسكري لعملية القضاء على ثغرة “الدفرسوار”، التي أدت إلى وصول قوات إسرائيلية إلى الساحل الغربي لقناة السويس أثناء الحرب.
ويشير مصطلح “ثغرة الدفرسوار” إلى منطقة بمحافظة الإسماعيلية مطلة على قناة السويس، وكانت بين الجيشين الثاني والثالث الميدانيين امتداداً للضفة الشرقية للقناة، حيث تمكن الجيش الإسرائيلي، قبيل نهاية الحرب ليلة 16 أكتوبر عام 1973، من السيطرة عليها.
“أكثر أهمية من وثائق إسرائيل”
وشكلت وزارة الدفاع المصرية، لجنة مختصة لفحص الوثائق تمهيداً للإفراج عنها، وقال عضو اللجنة اللواء محمد قشقوش إن الوثائق المنشورة تمثل نسبة كبيرة من الوثائق الخاصة بالحرب، مؤكداً في الوقت نفسه، أن هناك وثائق أخرى لم تنشر لكونها ضمن “إطار السرية”.
وقال قشقوش لـ”الشرق” إن “اللجنة المختصة بوثائق حرب أكتوبر بدأت اجتماعات في أغسطس الماضي، واستمرت في فرز ومراجعة الوثائق للخروج بهذا الكم دون الإضرار بأمن مصر القومي”.
وأضاف أن “قوة هذه الوثائق تأتي من أنها بخط يد قادة كبار في الحرب، إذ تمثل 40% من الوثائق التي خرجت مكتوبة، وتضمنت حتى إشارات لاسلكية”.
وأشار عضو لجنة وزارة الدفاع المصرية إلى أن “أهم الوثائق التي تم الكشف عنها هي الوثائق التي تتعلق بالثغرة، والتي أحدثتها إسرائيل في مرحلتها الأولى”، وشهدت معارك ضارية وخسائر كبيرة من الجانبين، ولكن خسائر الجانب الإسرائيلي كانت أكبر، وفق تقارير غربية، لتتمكن مصر من سد أكبر قدر من الجيب العسكري.
وأضاف قشقوش أن “الحرب تتكون من معارك عدة، وتثبت الوثائق أن مصر فازت في نحو 8 معارك، فيما فازت إسرائيل بمعركة ونصف المعركة تتمثل في الجزء الأول من ثغرة السويس ومعركة التطوير العسكري”.
وبشأن توقيت خروج الوثائق، أشار قشقوش إلى أن “توقيت خروج تلك الوثائق قد يسهم في رفع الروح المعنوية للفلسطينيين بأن هناك جيشاً ينتصر وجيش يُقهر، وتمثل تلك الهزيمة المعلنة للجيش الإسرائيلي نقطة ضعف”.
وعادة ما تنشر الحكومات وثائق وشهادات بشأن تاريخها السياسي والعسكري، فإسرائيل الطرف الآخر في حرب أكتوبر، نشرت وثائق وشهادات لقادة شاركوا في حرب أكتوبر، إلا أن قشقوش يرى أن الوثائق المصرية “أكثر أهمية”، نظراً لأنها ليست مجرد شهادات كما تفعل تل أبيب، وإنما “وثائق مكتوبة بخط اليد من قادة شاركوا في الحرب”، كما أنها “صادرة عن وزارة الدفاع، بجانب احتوائها على إشارات لاسلكية وتقارير ضباط مشاركين في الحرب”، وهي تفاصيل لم تعلن من قبل.
“إثبات للتفوق المصري”
بدوره، رأى رئيس جهاز الاستطلاع السابق بالقوات المسلحة، اللواء نصر سالم، في حديث لـ”الشرق”، أن “الوثائق التي تم الكشف عنها تخص حرب أكتوبر قد مر عليها 50 عاماً، لهذا ترفع عنها السرية، لكنها تزامنت مع توقيت الأحداث الجارية”.
وأضاف سالم أن “تلك الوثائق ترد على الادعاءات الإسرائيلية التي تشير إلى امتلاك القوة والتفوق آنذاك، لكن التفوق المصري كان واضحاً، ولم تستطع تل أبيب استغلال قوتها لتفادي الضربة المصرية”.
وأضاف المسؤول العسكري المصري السابق أن “تلك الوثائق هي الأولى التي يتم الكشف عنها، وتخص حرب أكتوبر، وتتضمن التخطيط المصري الصحيح للمعركة، بناء على رؤية عسكرية واضحة أتت بعد دراسة للموقف، ويوجد بها الكثير من الدروس المستفادة لنقاط القوة ونقاط الضعف التي يمكن تلاشيها في المستقبل”.
وأوضح سالم أن هناك العديد من الوثائق المصرية التي لم يتم الكشف عنها، لأنها قد تضر بالأمن المصري خاصة أن مسرح العمليات كان في سيناء والتي شهدت عدة حروب، وقد تؤثر تلك الوثائق التي ما زالت طي الكتمان على تلك النقطة التي تشهد أحداثاً مهمة حالية.
“رسالة إلى تل أبيب”
من جانبه، رأى رئيس المجلس الاستشاري للمركز المصري للدراسات الاستراتيجية، عبد المنعم سعيد، في حديث مع “الشرق”، أن “توقيت نشر الوثائق بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأن المساس بأمن مصر هو خط أحمر”.
وأوضح سعيد أن “نشر تلك الوثائق يأتي في وقت حرب غزة، ومن الجائز أن توقيت نشر تلك الوثائق لتوجيه رسائل كثيرة للجانب الإسرائيلي”.
وأوضح سعيد أن نشر الوثائق “أمر جيد وقد طالبنا بنشرها عدة مرات لما لها من فوائد تتعلق بسرد القوة التي تمتلكها آنذاك، وتأتي أيضاً للرد على ما تم نشره من الجانب الإسرائيلي والجانب الأميركي عن تلك الفترة”.
وتشهد العلاقات بين القاهرة وتل أبيب أخيراً، العديد من التوترات بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها القيام بعملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية بهدف ملاحقة مقاتلي حركة “حماس”، واستعادة محتجزين إسرائيليين لدي الحركة، وهو ما حذّر منه وزير الخارجية المصري سامح شكري، قائلاً إن “أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح ستشكل تهديداً مباشراً لأمن مصر القومي”.