رغم الانقسام.. معارك الكونجرس تعزز هيمنة ترمب على الحزب الجمهوري
تواجه حزمة مساعدات أميركية خارجية، مصيراً مجهولاً في مجلس النواب الأميركي، ذو الأغلبية الجمهورية، وذلك بعد تمريرها في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ما يسلط الضوء على مدى تأثير ونفوذ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، المعارض لتمرير هذه الحزمة، على سياسيات الحزب الجمهوري.
وشكك خبراء وسياسيون تحدثوا لـ”الشرق”، في إمكانية إقرار المساعدات الخارجية في مجلس النواب، مرجعين السبب إلى تأثير ترمب ونفوذه على الحزب الجمهوري، لافتين إلى سياساته التي امتدت حتى الإطاحة برئيسة اللجنة الوطنية للحزب واستبدالها بـ3 آخرين موالين له، بمن فيهم زوجة ابنه.
ووافق مجلس الشيوخ، في 13 فبراير الجاري، على حزمة مساعدات بقيمة 95 مليار دولار (60 مليار دولار لدعم أوكرانيا، و14.1 مليار دولار لدعم إسرائيل، و8 مليارات دولار لدعم حلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ)، لكن مصير هذه الحزمة غير مؤكد في مجلس النواب، خاصة مع تصريح رئيسه مايك جونسون، بأن الحزمة غير مجدية، ومجادلة ترمب بأن أي مساعدة يجب أن تتم على شكل قروض تُسدد في المستقبل.
وافترض الخبير الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان، أنه إذا تمكن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ورئيس مجلس النواب مايك جونسون من التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا جانبية مختلفة، كسياسة الحدود، فإن المساعدات المقدمة لأوكرانيا ستتم الموافقة عليها من قِبل الكونجرس، “وخلاف ذلك، يبدو الأمر كارثياً”.
في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية بجامعة أوهايو، بول بيك، أن المساعدات الخارجية ليس لها مستقبل في مجلس النواب. وقال: “أخشى أن يعارضها الجمهوريون في مجلس النواب، ولن يكون رئيس المجلس على استعداد لطرح حزمة المساعدات للتصويت عليها، إذ يمكن أن تحظى بأصوات الديمقراطيين، وهو ما لا يريدونه”.
وسعى الحزبان الجمهوري والديمقراطي طوال 4 أشهر على صياغة “مقايضة”، تشمل المساعدات الخارجية التي يدعمها الديمقراطيون، في مقابل إجراءات أمنية شاملة للحدود الأميركية يريدها الجمهوريون، لكنها فشلت بعد أقل من 48 ساعة على مباركة زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، مشروع قانون أمن الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وسرعان ما تخلى الجمهوريون في مجلس الشيوخ عن اتفاقية أمن الحدود، واعتبروا أن “المشروع غير كاف”، مدفوعين على ما يبدو بالمعارضة العلنية من الرئيس السابق دونالد ترمب لكل من “إصلاحات الحدود” و”المساعدات الخارجية”، لكن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، دفع للمضي قدماً في حزمة المساعدات الخارجية دون البنود الحدودية.
وانتقد زعيم الأغلبية (الديمقراطي) تشاك شومر، الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بسبب تغيير موقفهم قبل التصويت في 7 فبراير الجاري، وأرجع هذا التحول إلى معارضة ترمب، وبالتبعية سارع رئيس مجلس النواب (الجمهوري) مايك جونسون إلى رفضه.
“حزب ترمب”
وقال الخبير الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان، لـ”الشرق”، إن ترمب يتمتع بنفوذ هائل، وسط معظم الجمهوريين المنتخبين، مضيفاً أن “من الخطورة أن يتمتع شخص واحد بهذا القدر من السيطرة”.
ومع ذلك، لفت دورنان إلى أن القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري تدعم ترمب، “وإذا أراد السياسيون الجمهوريون أن يجري انتخابهم، فعليهم مراعاة آرائه بشأن هذه القضايا”.
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية بجامعة أوهايو، بول بيك، أن الحزب الجمهوري الآن هو “حزب ترمب”. ولفت إلى أنه كان هناك دائماً مشرعون جمهوريون يشككون في المساعدات الخارجية، ويفضلون الموقف الانعزالي، “لكن هناك المزيد الآن”.
واتفق بيك مع دورنان في أن كل المشرعين الجمهوريين تقريباً يسيرون على خطى ترمب، لأنهم يخشون غضب قاعدته الانتخابية، التي تشكل الآن نحو نصف الناخبين الجمهوريين، مضيفاً أنهم “يريدون تجنب المعارضين الأساسيين الذين سيؤيدون الرئيس السابق، وهو ما يكفي في كثير من الأحيان لهزيمة الرئيس الحالي (جو بايدن)”.
ويتنامى نفوذ ترمب بين قيادة الحزب أيضاً، وليس بين الناخبين فقط، وفقاً لأستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال بجامعة ميشيجان، مايكل تراجوت.
وأشار تراجوت في حديثه لـ”الشرق”، إلى دور ترمب في إقالة رئيسة اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، رونا رومني مكدانيل، واستبدالها بـ3 موالين له، بما في ذلك زوجة ابنه، مضيفاً أن ذلك “سيمنحه السيطرة على اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري قبل حملة الانتخابات العامة”.
وشهد التصويت على حزمة المساعدات الخارجية في مجلس الشيوخ، انضمام 22 عضواً من الحزب الجمهوري إلى الديمقراطيين في إقرار الحزمة التي تدعم إسرائيل وتايوان بجانب أوكرانيا، ما يسلط الضوء على الانقسام المتزايد بين الجمهوريين.
انقسامات جمهورية
وفي مجلس النواب، ينقسم الجمهوريون في مجلس النواب بشأن قضية تقديم المساعدات لأوكرانيا، حيث أن مجموعة من المعتدلين قد تدعم مشروع قانون المساعدات الخارجية، واستدرك: “لكن هذا الأمر غير مقبول بالنسبة لعدد من المحافظين، وهو ما تحظى به أيضاً قضية تقديم المساعدات لإسرائيل بالنسبة لبعض التقدميين من الحزب الديمقراطي”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد لـ”الشرق”، أن خلافات الجمهوريين لا تعتمد في المقام الأول على دعم إسرائيل من عدمه، موضحاً أنهم “يدعمونها بشدة”، وتابع: “لكن العديد من الجمهوريين وخاصة في مجلس النواب، يرددون ما يقوله ترمب بأن علينا الاعتناء بحدودنا أولاً قبل التعامل مع الآخرين في الخارج”.
ونبه محمد أن الكثيرين في مجلسي النواب والشيوخ، معارضون بشكل أساسي لحجم المساعدات المقدمة لأوكرانيا، مضيفاً: “على أي حال، فإن التأخير الرئيسي يرجع إلى أمن الحدود أولاً، وأوكرانيا ثانياً، على الأقل الآن في مجلس النواب”.
ولهذا السبب رجَّح محمد أن قيادات مثل السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، الذي حثَّ بايدن على مساعدة أوكرانيا، صوَّت الأسبوع الماضي ضد تقديم مساعدات لها، وهو ما يرى أستاذ العلوم السياسية أنه يرجع إلى “خوفهم من مواجهة ترمب، أو حتى الظهور، وكأنهم معارضون له”.
وتوقفت مساعدات أوكرانيا البالغة نحو 60 مليار دولار في الكونجرس لعدة أشهر، بسبب المعارضة المتزايدة من المحافظين المتشددين في مجلسي النواب والشيوخ.
وفي وقت سابق، أعلن ترمب، عدم التزامه بتقديم مساعدات لأوكرانيا، في حال أصبح الرئيس المقبل، وكتب عبر منصته “تروث سوشال”: “لا ينبغي لنا أبداً أن نعطي المال بعد الآن دون أمل في استرداد المبلغ، لا ينبغي للولايات المتحدة الأميركية أن تكون غبية بعد الآن”.
“أميركا أولاً”
وانتقد خبراء تحدثوا لـ”الشرق”، قومية الرئيس السابق دونالد ترمب المتمثلة في “أميركا أولاً”، واعتبروا أنها تمثل تهديداً لعقيدة الحزب الجمهوري التقليدية المتمثلة في المشاركة الخارجية القوية، وهو ما يزيد من حدة الانقسامات بين المعتدلين واليمينين داخل الحزب.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيجان، مايكل تراجوت، إلى أن تلاشي مبدأ الحزب الجمهوري التقليدي لصالح سياسة خارجية تتمثل في “أميركا أولاً”، كانت سبباً في تغيير سياساته نحو التحالفات والاتفاقيات الخارجية، مضيفاً: “على المدى الطويل، فإن هذا سيضر بالحزب الجمهوري من خلال تقليص الدعم له”.
ومع ذلك، لا يعتقد تراجوت أن الانقسامات داخل الحزب الجمهوري قد تؤثر على ترمب وفرص ترشيحه، “لكن الانقسام قد يؤثر على نجاح مرشح الحزب في الانتخابات”.
واتفق أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية بجامعة أوهايو، بول بيك، مع تراجوت، في أنه إذا تخلت القاعدة غير المؤيدة لحملة ترمب (فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً) عنه في الانتخابات العامة، “فسيفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، قطعاً”.
ولفت بيك إلى أن الحزب الجمهوري منقسم بشدة بشأن قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك المساعدات لأوكرانيا، “وطالما ظل ترمب زعيماً له، فإن هذا الانقسام سينتهي لصالح ما يريده الرئيس السابق”.
ورجَّح أنه بمجرد مغادرة ترمب للمشهد السياسي، سيبقى العديد من أتباعه في مناصب رئيسية داخل الحزب والكونجرس “ما يترك الحزب إلى حد كبير رهينة تقليد (ماجا) الذي يعني (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)”.
ومن جهته، أوضح الخبير الاستراتيجي الجمهوري، جيم دورنان، أن الانقسام المتزايد داخل الحزب الجمهوري له تداعيات كبيرة على الحزب ومستقبله السياسي.
وقال إن الحزب يخاطر بوضع “الأقلية الدائمة” عندما يخسر ترمب جاذبيته، لافتاً إلى أن النساء الحاصلات على تعليم جامعي في الضواحي يشعرن بالفعل بالغضب الشديد إزاء آراء الرئيس السابق بشأن الإجهاض، وكيفية تعامله مع الأشخاص الذين يختلفون معه، موضحاً أنهم “كتلة تصويتية ضخمة، ولهم تأثير كبير على كيفية الفوز أو الخسارة في الانتخابات الأميركية، وما يحدث يُشكل مخاطرة كبيرة”.
واعتبر دورنان أن رؤية ترمب لبوتين كبطل، قد تكلف الجمهوريين الكثير، وستشكل تهديداً خطيراً لفرص المرشح النهائي للفوز في نوفمبر المقبل، مضيفاً: “تذكروا أن هذا هو حزب (الرئيس الأميركي السابق) رونالد ريجان الذي كانت لديه وجهة نظر سلبية للغاية تجاه الشيوعية، لكن اليوم ترمب يحب بوتين”.
ولفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، إلى أن هناك جمهوريين يخشون فوز ترمب في الانتخابات المقررة في نوفمبر المقبل، وينظرون إليه على أنه شخص ليس في صالح الحزب الجمهوري، “لكن أولئك الذين يفكرون على هذا المنوال فشلوا في أن يتم انتخابهم لمجلسي النواب أو الشيوخ”.